قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107) وقوله “للعالمين” تعني للناس كافة، إلى أن تقوم الساعة، والرسول الأعظم وعى ذلك تماماً، ووعى أيضاً أن مهمته كرسول هي البلاغ فقط {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (الشورى 48)، علماً أن “إلا” هي أداة حصر، أي أن مهمة الرسول محصورة في تبليغ الرسالة.
فإذا بحثنا عن شرح لآيات التنزيل الحكيم قدمه الرسول (ص) لما وجدنا، إلا فيما يتعلق بإقامة الصلاة وأداء الزكاة، ولو أنه شرح سور الأعراف والأنعام والرعد والنحل وغيرها لتحول إلى “الشيخ محمد بن عبد الله”، ولتحولت رسالته من عالمية صالحة لكل زمان ومكان، إلى رسالة محلية لها احتمال وحيد لتطبيقها، يتوافق مع شبه جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي فقط، والقول أن الرسول شرح الكتاب فهذا يعني أنه من تأليفه.
وما قام به الرسول هو مهمتان: تبليغ الرسالة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ —}(المائدة 67)، وتأسيس الدولة المدنية وتنظيم الحلال أمراً ونهياً، لا تحريماً، أي بما لا يحتاج إلى وحي، بل بما يختص به المشرعون إلى أن تقوم الساعة، وعليه تنطبق الآية {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر 7).
وإذا افترضنا أن الرسول قد توفي أمس فقد ترك لنا التنزيل الحكيم، كتاب من حي لأحياء، علينا قراءته وفق أرضيتنا المعرفية، وعلى من يأتي بعدنا إعادة القراءة وهكذا.
وهذا لا يقلل إطلاقاً من قيمة الرسول، بل على العكس يوضح عظيم رؤيته لمهمته، فلم يدع معرفة تفسير الكتاب، ونهى عن تدوين أقواله وأفعاله، وشكلت نبوته طفرة معرفية وتاريخية في أسس تشكيل الدول وتنظيم المجتمع.

Advertisement